فصل: ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

عود مهذب الدولة إِلى البطيحة كـان أبـو العبـاس بن واصل لما استولى على البطايح قد أقام بها نائباً وسار هو إِلى نحو البصرة فلـم يتمكـن نائبه من المقام بها وخرج أهل البطيحة عن طاعته فأرسل عميد الجيوش وهو أمير العراق من جهة بهاء الدولة عسكراً في السفن مع مهذب الدولة إِلى البطيحة فلما دخلها لقيه أهل البلاد وسروا بقدومه وسلموا إليه جميع الولايات واستقر عليه لبهاء الدولة في كل سنة خمسون ألف دينار واشتغل عنه ابن واصل بحرب غيره‏.‏

وفـي هـذه السنـة فتـح يميـن الدولـة محمـود بن سبكتكين مدينة بهاطية من أعمال الهند وهي وراء الملتان وهي مدينة حصينة عالية السور‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة سـار يميـن الدولـة ففتـح الملتـان ثـم سـار إِلـى نحـو بيـدا ملك الهند فهرب إلى قلعته المعروفة بكاليجار فحصره بها ثم صالحه على مال حمله إِليه وألبس ملك الهند خلعته واستعفى من شد المنطقة فلم يعفه يمين الدولة منها فشدها على كره‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة قُلد الشريف الرضي نقابة الطالبيين ولقب بالرضي ولقب أخوة المرتضى فعل ذلـك بهـاء الدولـة‏.‏

وفيهـا توفـي محمـد بـن إِسحـاق بـن محمـد ابن يحيى بن منده الأصفهاني صاحب

  ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

قتل ابن واصل في هذه السنة وقع بين بهاء الدولة وأبي العباس بن واصل حروب آخرها أن أبا العباس انهزم إِلـى البصـرة ثـم انهـزم عنهـا فأُسـر وحُمـل إِلى بهاء الدولة فأمر بقتله قبل وصوله إِليه وطيف برأس أبي العباس بن واصل المذكور بخورستان وكان قتله بواسط عاشر صفر‏.‏

خبر أبي ركوة في هذه السنة خرج على الحاكم بمصر إِنسان أموي من ولد هشام بن عبد الملك يسمى أبا ركوة لحمله ركوة على كتفه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فكثر جمعه وملك برقة وجهـز إِليه الحاكم جيشاً فهزمه أبو ركوة وغنم ما في ذلك الجيش وقوى به وسار أبو ركوة إِلى الصعيد واستولى عليه فعظم ذلك على الحاكم إِلى الغاية فأحضر عساكر الشام واستخدم عساكر كثيرة واستعمل عليهم فضل بن عبد الله وأرسله إِلى أبي ركوة فجرى بينهم قتال عظيم وآخره أن عساكر الحاكم انتصرت وهربت جموع أبي ركوة وأُخذ أسيراً فقتله الحاكم وصلبه وطيف برأسه‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هذه السنة سار يمين الدولة محمود إلى الهند وأوغل فيـه وغـزا وفتـح‏.‏

وفـي هـذه السنـة استعملـت والـدة مجـد الدولـة بـن فخـر الدولـة - وكـان إليهـا الحكم بمملكة ابنها - أبا جعفر ابن شمتر يار المعروف بابن كاكوية على أصفهان فاستقر فيها قدمه وعظم شأنه وإنما قيل له ابن كاكوية لأنه كان ابن خال والدة مجد الدولة المذكورة وكاكوية هو الخال بالفارسية‏.‏

وفي هذه السنة توفي عبد الواحد بن نصر المعروف بالببغاء الشاعر‏.‏

وفيها توفي البديع أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني صاحب المقامات المشهورة التي عمل الحريري على منوالها المقامات الحريرية‏.‏

وفيها توفي أبو نصر إِسماعيل بن أحمد الجوهري مصنف كتاب الصحاح في اللغة المعروف بصحاح الجوهري وهو كتاب شهرته تغني عن ذكره وإسماعيل المذكور هو من فاراب وهي مدينة ببلاد الترك من وراء النهر وتسمى هـذا الزمـان أطـرار وكـان المذكـور إِمامـاً فـي اللغـة العربية قدم إِلى نيسابور وتوفي بها وكان يكتب خطاً حسناً منسوباً من الطبقة العالية‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة قتـل أبـو علـي بـن ثمـال الخفاجـي وكـان الحاكم العلوي قد ولاه الرحبة ثم انتقلت عنه وصار أمرها إِلى صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري صاحب الزيج الحاكمي المعروف بزيج بن يونس وهو زيج كبير في أربع مجلدات وذكر أن الذي أمر بعمله العزيز أبو الحاكم‏.‏

  ثم دخلت سنة أربعمائة

في هذه السنة عاد يمين الدولة وغزا الهند وغنم وعاد‏.‏

أخبار المؤيد الأموي خليفة الأندلس قد تقدم في سنة ست وستين وثلاثمائة ذكر موت الحاكم صاحب الأندلس وولاية ابنه المؤيد هشـام بـن الحكـم المنتصـر بـن عبـد الرحمـن الناصـر بـن محمـد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر المؤيد لما ولي الخلافة عشر سنين فاستولـى علـى تدبيـر المملكـة أبـو عامـر محمـد بـن أبـي عامـر وبقـي المؤيد محجوباً عن الناس واستمر المؤيـد هشـام المذكـور فـي الخلافـة إِلـى سنـة تسـع وتسعيـن وثلاثمائـة فخرج عليه في السنة المذكورة محمـد بـن هشـام بـن عبـد الجبـار بـن عبد الرحمن الناصر الأموي في جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وثلاثمائة واجتمع عليه الناس وبايعوه بالخلافة وقبض على المؤيد وحبسه في قرطبة وتلقـب محمـد المذكـور بالمهـدي واستمـر فـي الخلافـة فخـرج عليه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر فهرب محمد بن هشام بن عبد الجبار المذكور واستولى سليمان على الخلافـة فـي أوائـل شـوال مـن هـذه السنـة أعنـي سنـة أربعمائـة ثـم جمع المهدي محمد بن هشام جمعاً وقصـد سليمـان بقرطبـة فهـرب سليمـان وعـاد محمـد المهـدي المذكـور إِلـى الخلافـة فـي منتصـف شـوال من هذه السنة المذكورة ثم اجتمع كبار العسكر وقبضوا على المهدي محمد المذكور وأخرجوا المؤيـد مـن الحبس وأعادوه إِلى الخلافة في سابع ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة أربعمائة وأحضـروا المهدي المذكور بين يديه فأمر بقتله فقتل واستمر المزيد في الخلافة وقام بتدبير أمره واضح العامري ثم قبض المؤيد على واضح المذكور وقتله فكثرت الفتن على المؤيد واتفقت البربر مع سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر وسار وحصر المؤيد بقرطبة وملكها سليمان عنوة وأخرج المؤيد من القصر ولم يتحقق للمؤيد خبر بعد ذلك وبُويع سليمان بالخلافـة فـي منتصـف شـوال مـن سنة ثلاث وأربعمائة وتلقب بالمستعين بالله ثم كان من سليمان وأخبار الأندلس ما سنذكره إِن شاء الله تعالى في سنة سبع وأربعمائة‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة بنى أبو محمد بن سهلان سوراً على مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضـي اللـه عنـه‏.‏

وفيهـا توفي النقيب أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي وكان مولده سنة أربع وثلاثمائة وكان قد أضر في آخر عمره‏.‏

وفيها توفي أبو العباس النامي الشاعر وأبـو الفتـح علـي بـن محمـد البستـي الكاتـب الشاعـر صاحب التجنيس‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة

فيها سار أيلك خان ملك الترك من سمرقند بجيوشه لقتال أخيه طغان خان فوصل إلى أوزكند وسقط عليه ثلج منعه من المسير إِليه فعاد إِلى سمرقند‏.‏

الخطبة العلوية بالكوفة والموصل فـي هـذه السنـة خطـب قـرواش بـن المقلـد بـن المسيب أمير بني عقيل للحاكم بالله العلوي صاحب مصـر بأعمالـه كلهـا وهـي الموصـل والأنبـار والمدائـن والكوفـة وغيرهـا‏.‏

وكـان ابتداء الخطبة بالموصل الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانهدت بعظمته أركان النصب وأطلع بقدرته شمس الحق من الغرب فكتب بهاء الدولة إِلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إِلى حرب قرواش فسار إِليه وأرسل قرواش يعتذر وقطع خطبة العلويين‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفـي هـذه السنـة وقـع الحـرب بيـن بنـي مزيـد وبنـي دبيـس بسبب أن أبا الغنائم محمد بن مزيد كان مقيمـاً عنـد بنـي دبيـس فـي جزيرتهـم بنواحـي خورستان لمصاهرة بينهم فقتل أبو الغنائم محمد بن مزيـد أحد وجوه بني دبيس ولحق بأخيه أبي الحسن بن مزيد فسار إِليهم أبو الحسن بن مزيد وفـي هـذه السنـة توفـي عميد الجيوش أبو علي بن أستاذ هرمز وكان أميراً من جهة بهاء الدولة على العسكر وعلى الأمور ببغداد وكانت ولايته ثمان سنين وأربعة أشهر وأياماً‏.‏

وعمره تسع وأربعون سنة وكان أبوه أستاذ هرمز من حجاب عضد الدولة واتصل عميد الجيوش بخدمة بهاء الدولة فلما فسد حال بغداد من الفتن أرسله بهاء الدولة إِلى بغداد فأصلح الأمور وقمع المفسدين فلما مات عميد الجيوش استعمل بهاء الدولة موضعه على بغداد فخـر الملـك أبـا غالب‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة

أخبار صالح بن مرْداس وملكه حلب وأخبار ولده إلى سنة اثنتَين وسبعين وأربعمائة وكـان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً في السنين ولكن لقلته كان يضيع ولا ينضبط فلذلك أوردنا فـي هـذه السنـة جملـة كمـا فعلنـا مثـل ذلـك فـي عـدة قصـص من هذا التاريخ فنقول‏:‏ إِننا ذكرنا ملك أبـي المعالـي شريـف الملقب بسعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان لحلب إِلى أن توفي بالفالج وهـو مالكهـا علـى مـا شرحنـاه فـي سنـة إِحـدى وثمانيـن وثلاثمائة ولما توفي أبو المعالي سعد الدولة المذكور أقيم أبو الفضائل ولد سعد الدولة مكان أبيه وقام بتدبيره لؤلؤ أحد موالـي سعـد الدولـة ثـم استولـى أبـو نصر بن لؤلؤ المذكور علي أبي الفضائل بن سعد الدولة وأخذ منه حلب واستولى عليها وخطب للحاكم العلوي بها ولقب الحاكم أبا نصـر بـن لؤلـؤ المذكـور مرتضـى الدولـة‏.‏

واستقـر فـي ملـك حلـب وجـرى بينه وبين صالح بن مرداس الكلابي وبني كلاب وحشة وقصص يطول شرحها وكانت الحرب بينهـم سجـالاً وكـان لابـن لؤلـؤ غلـام اسمـه فتـح وكـان دزدار قلعة حلب فجرى بينه وبين أستاذه ابن لؤلؤ وحشة في الباطن حتى عصى‏.‏

فتح المذكور في قلعة حلب على أستاذه واستولى عليها وكاتب فتح المذكور الحاكم العلوي بمصـر ثـم أخـذ فتـح مـن الحاكـم صيـدا وبيروت وسلم حلب إِلى نواب الحاكم فسار مولاه ابن لؤلؤ إِلى إنطاكية وهي للروم فأقام معهم بها وتنقلت حلب بأيدي نواب الحاكم حتى صارت بيد إِنسان من الحمدانية يعرف بعزيز الملك وبقي المذكور نائب الحاكـم بحلـب حتـى قتـل الحاكـم وولي الظاهر لاعزاز دين الله العلوي فتولى من جهة الظاهر العلوي المذكور على مدينة حلب إِنسـان يعـرف بابـن ثعبـان وولـي القلعـة خـادم يعـرف بموصـوف فقصدهمـا صالـح بن مرداس أمير بني كلاب فسلم إِليه أهل البلد مدينة حلب لسوء سيرة المصريين فيهم وصعد ابـن ثعبـان إِلـى القلعـة وحصرهـا صالـح بـن مرداس فسلمت إِليه قلعة حلب أيضاً في سنة أربع عشرة وأربعمائة واستقـر صالـح مالكاً لحلب وملك معها من بعلبك إِلى عانة وأقام صالح بن مرداس بحلب مالكاً لما ذكر ست سنين فلما كان سنة عشرين وأربعمائة جهز الظاهر العلوي جيشاً لقتال صالح المذكور ولقتال حصان أمير بني طيئ وكان قد استولى حسان المذكور على الرملة‏.‏

وتلك البلاد وكان مقدم عسكر المصريين اسمه أنوش تكين فاتفق صالح وحسان على قتال أنـوش تكين وسار صالح من حلب إلى حسان واجتمعا على الأردن عند طبرية ووقع بينهم القتال فقتل صالح بن مرداس وولده الأصغر ونفذ رأساهما إلى مصر ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح بن مرداس وسار إِلى حلب فملكها وكان لقب أبي كامل المذكور شبل الدولة وبقي شبل الدولة بن صالح مالكاً لحلب إلى سنة تسع وعشرين وأربعمائة وذلك في أيام المستنصر بالله العلوي صاحب مصر‏.‏

فجهزت العساكر من مصر إِلى شبـل الدولـة ومقدمهـم رجـل يقـال لـه الدزبـري بكسـر الـدال المهملة وسكون الزاي المعجمةَ وباء موحدة وراء مهملة ويا مثناة من تحت وهو أنـوش تكيـن المذكور وكان يلقب الدزبري‏.‏

نقلت ذلك من تاريخ ابن خلكان فاقتتلوا مع شبل الدولة عند حماة في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة فقتل شبل الدولة وملك الدزبري حلب في رمضان من السنة المذكورة‏.‏

وملك الشام جميعه وعظم شأن الدزبري وكثر ماله وتوفي الدزبري بحلب سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى‏.‏

وكان لصالح بن مرداس ولد بالرحبة يقال له‏:‏ أبو علوان ثمال ولقبه معز الدولة فلما بلغه وفاة الدزبـري سـار ثمـال بـن صالـح المذكـور إِلـى حلـب وملـك مدينـة حلـب ثـم ملـك قلعتهـا في صفر سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وبقي معز الدولة ثمال بن صالح المذكور مالكاً لحلب إِلى سنة أربعين وأربعمائة فأرسل إليه المصريون جيشاً فهزمهم ثمال ثم أرسلوا إِليه جيشاً آخر فهزمهم ثمال أيضـاً ثـم صالـح ثمـال المذكور المصريين ونزل لهم عن حلب فأرسل المصريون رجلاً من أصحابهم يقـال لـه الحسن بن علي بن ملهم ولقبوه مكين الدولة فتسلم حلب من ثمال بن صالح بن مرداس فـي سنـة تسـع وأربعيـن وأربعمائة وسار ثمال إِلى مصر وسار أخوه عطية بن صالح بن مرداس إِلى الرحبة وكان لنصر الملقب بشبل الدولة الذي قتل في حرب الدزبري ولد يقال له محمود فكاتبه أهل حلب وخرجوا عن طاعة ابن ملهم فوصل إِليهم محمود واتفق معه أهل حلـب وحصـروا ابـن ملهـم في جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فجهز المصريون جيشاً لنصرة ابن ملهم فلما قاربوا حلب رحل محمود عنها هارباً وقبض ابن ملهم على جماعة من أهل حلب وأخذ أموالهم ثم سار العسكر في أثر محمود بن نصر بن صالح المذكور فاقتتلوا وانتصر محمود وهزمهم ثم عاد محمود إِلى حلب فحاصرها وملك المدينة والقلعة في شعبان سنـة اثنتين وخمسين وأربعمائة وأطلق ابن ملهم ومقدم الجيش وهو ناصر الدولة من ولد ناصر الدولـة بـن حمـدان فسـار إِلـى مصـر واستقـر محمـود بـن شبـل الدولـة نصر بن صالح بن مرداس مالكاً لحلب‏.‏

ولمـا وصـل ابـن ملهـم وناصر الدولة إِلى مصر وكان ثمال بن صالح بن مرداس قد سار إِلى مصر كمـا ذكرنـا جهـز المصريـون ثمال بن صالح بجيش لقتال ابن أخيه محمود بن شبل الدولة فسار ثمال بـن صالـح إِلـى حلـب وهـزم محمـود بـن أخيـه وتسلـم ثمـال بـن صالح بن مرداس حلب في ربيع الأول من سنة ثلاث وخمسين أربعمائة ثم توفي ثمـال فـي حلـب سنـة أربـع وخمسيـن فـي ذي القعـدة وأوصـى بحلب لأخيه عطية الذي كان سار إِلى الرحبة كما ذكرناه‏.‏

فسار عطية بن صالح من الرحبة وملك حلب في السنـة المذكـورة وكـان محمـود بـن شبـل الدولة لما هرب من عمه ثمال من حلب سار إِلى حران فلما مات ثمال وملك أخوه عطية حلب جمع محمود عسكراً وسار إلى حلب فهزم عمه عطية عنها وسار عطية إِلى الرقة فملكها ثم أُخذت منه فسار عطية إِلى الروم وأقام بقسطنطينية حتى مات بها‏.‏

وملك محمود بن نصر بن صالح بن مرداس حلب في أواخر سنة أربع وخمسين وأربعمائة ثم استوَلـى محمـود علـى أرتـاح وأخذهـا مـن الـروم فـي سنـة ستيـن ومـات محمـود المذكور في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة في حلب مالكاً لها‏.‏

وملك حلب بعده ابنه نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس ثم قتل التركمان نصراً المذكـور علـى مـا سنذكره إِن شاء الله تعالى في سنة تسع وستين وأربعمائة وملك حلب بعده أخـوه سابـق بـن محمـود بن نصر بن صالح بن مرداس وبقي سابق بن محمود المذكور مالكاً لحلب إِلى سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وأخذ حلب منه شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة كتب ببغداد محضر بأمر القادر يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر وكتب فيه جماعة من العلويين والقضاة وجماعة من الفضلاء وأبو عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة ونسخة المحضر المذكورة هذا ما شهد به الشهود أن معد بن إِسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد منتسب إلى ديصان بن سعيد الذي ينسب إِليه الديصانية وأن هذا الناجم بمصر هو منصور ابن نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والدمار ابن معد بن إِسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله وأن من تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأن ما ادعـوه مـن الانتسـاب إِليـه زور وباطـل وأن هـذا الناجـم فـي مصـر هـو وسلفـه كفّـار وفسّاق زنادقـة ملحـدون معطلـون وللإِسلـام جاحـدون أباحـوا الفـروج وأحلـوا الخمـور وسبـوا الأنبيـاء وادعـوا الربوبيـة وتضمن المحضر المذكور نحو ذلك أضربنا عنه وفي آخره كتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة وفيها اشتد أذى خفاجة للحجاج وقطعوا عليهم الطريق‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة

قتل قابوس في هذه السنة قتل شمس المعالي قابوس بن وشمكير بن زيار بسبب تشديده على أصحابه وعدم التجاوز عن ذنوبهم فخرجوا عن طاعته وحصروه واستدعوا ولده منوجهر بن قابوس فأقاموه عليهم وكان بجرجان ثم اتفق مع أبيه قابوس فانقطع قابوس في قلعة يعبد الله فلم يطـب للعسكـر الذيـن خلعوه وعاودوا منوجهر في قتله فسكت فمضوا إِلى قابوس وأخذوا جميع مـا عنـده مـن ملبـوس وتركـوه حتـى مـات بالبـرد وكـان قابـوس المذكـور كثيـر الفضائـل عظيـم السياسـة شديـد الأخـذ قليـل العفـو وكـان عالمـاً بالنجـوم وغيرها وله أشعار حسنة فمن شعره‏:‏ ففي السماء نجوم ما لها عدد وليسَ يكسف إِلا الشمسُ والقمر وفي هذه السنة مات ملك الترك أيلك خان وملك بعده أخوه طغان خان وكان أيلك خان خيراً عادلاً محباً للدين وأهله‏.‏

وفاة بهاء الدولة فـي هـذه السنـة فـي عاشـر جمـادى الآخـرة توفـي بهـاء الدولة أبو نصر خاشاذ بن عضد الدولة بن بويه بتتابع الصرع مثل مرض أبيه عضد الدولة وكان موت بأرجان وملك العراق وعمره اثنتان وأربعون سنة وتسعة أشهر وملكه أربع وعشرون سنة‏.‏

ولما توفي ولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة‏.‏

وفيها كان استيلاء سليمـان بـن الحكـم بـن سليمـان بـن عبـد الرحمـن الناصـر على قرطبة وبويع بالخلافة على ما قدمنا ذكـره فـي سنـة أربعمائـة ولمـا استولـى علـى قرطبـة عـدم المؤيـد هشام فلم يتحقق له خبر بعد هذه السنة وسنذكر ما قيل في ظهوره إِن شاء الله تعالى وإن ذلك كان تنويجاً لا حقيقة له‏.‏

وفيهـا توفـي القاضي أبو بكر بن الباقلاني واسمه محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر وكان أبو بكر المذكور على مذهب أبي الحسن الأشعري وهـو ناصـر طريقتـه ومؤيـد مذهبـه وسكـن ببغداد وصنف التصانيف للكثيرة في علم الكلـام وانتهـت إِليـه الرئاسـة فـي مذهبـه ونسبـة

  ثم دخلت سنة أربـع وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة أيضـاً عـاد يميـن الدولـة محمـود فغـزا الهنـد وأوغـل في بلادهم وغنم وفتح وعاد إِلى غزنة‏.‏

وفيها عاثت خفاجة ونهبوا سواد الكوفة وطلع عليهم العسكر وقتل منهم وأسر‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو الحسـن علـي بـن سعيـد الأصطخـري وهـو مـن شيوخ المعتزلة وكان عمره قد زاد على ثمانين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وأربعمائة

في هذه السنة كانت الحرب بين أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي وبين مضر وحسان ونبهان وطراد بني دبيس وكان آخر تلك الحرب أن مضر بـن دبيس كبس أبا الحسن ابن مزيد المذكور فهزمه واستولى ابن دبيس على خيل أبي الحسن وأمواله وهرب أبو الحسن إِلى بلد النيل‏.‏

وفيهـا توفي الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني المعروف بابـن الحاكـم النيسابـوري إِمـام أهـل الحديـث فـي عصـره والمؤلـف فيـه الكتـب التـي لم يسبق إِلى مثلها سافـر فـي طلـب الحديـث وبلغـت عدة شيوخه نحو ألفين وصنف عدة مصنفات منها الصحيحان والأمالي وفضائل الشافعي وإنما عُرف أبوه بالحاكم لأنه تولى القضاء بنيسابور‏.‏

وفيهـا قتـل طائفـة مـن عامـة الدينـور قاضيهـم أبـا القاسـم يوسـف بـن أحمـد بـن كج الفقيه الشافعي قاضي الدينور قتلوه خوفاً منه وله وجه في المذهب وصنف كتباً كثيرة وجمع بين رئاستي العلم والدنيا‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وأربعمائة

وفاة باديس فـي هـذه السنـة توفـي باديـس بـن منصـور بـن يوسـف بلكيـن بـن زيـري أميـر إِفريقيـة‏.‏

وولي بعده إِمرة إِفريقية ابنه المعز بن باديس وعمره ثمان سنين ووصلت إِليه الخلع والتقليد من الحاكم العلوي ولقبـه شـرف الدولة وهذا المعز بن باديس هو الذي حمل أهل المغرب على مذهب الإمام مالك وكانوا قبله على مذهب أبي حنيفة‏.‏

وفـي هـذه السنـة غـزا يميـن الدولـة محمـود الهنـد علـى عادتـه فتـاه الدليـل ووقع هو وعسكره في مياه فاضت من البحر فغرق كثير ممن معه وبقي فيه أياماً حتى تخلص وعاد إِلى خراسان‏.‏

وفي هذه السنة عَزَل سلطان الدولة بن بهاء الدولة نائبه بالعراق فخر الملك أبا غالب وقتله سلـخ ربيع الأول من هذه السنة وكان عمر فخر الملك اثنتين وخمسين سنة وأحد عشر شهراً وكانت مدة ولايته على العراق خمس سنين وأربعة أشهر وأياماً ووجد له من المال ألف ألف دينـار عينـاً غيـر العروض‏.‏

وغير ما نهب وكان قبضه بالأهواز‏.‏

ثم استوزر سلطان الدولة بن وفيهـا توفـي أبـو نصـر قـرا خـان صاحـب تركستـان وقيل في سنة ثمان ورأبعمائة على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الشريف الحسيني الملقب بالرضي وهو محمد بن الحسين بن موسـى بـن إِبراهيـم بـن موسـى بـن جعفـر الصـادق بـن محمـد الباقـر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم المعروف بالموسوي صاحب ديوان الشعر حكي أنه تعلـم النحـو مـن ابـن السيرافـي النحـوي فذاكـره ابـن السيرافـي علـى عـادة التعليم وهو صبي فقال‏:‏ إذا قلنـا رأيـت عمـر فمـا علامـة النصـب في عمرو فقال الرضي‏:‏ بغض علي‏.‏

أراد السيرافي النصب الذي هو الإعراب وأراد الرضي الذي هو بغض علي فأشار إِلى عمرو بن العاص وبغضه لعلي فتعجب الحاضرون من حدة ذهنه وكانت ولادته سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ببغداد‏.‏

وفيهـا توفـي الإمـام أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني إِمام أصحاب الشافعي وكان عمـره إِحـدى وستيـن سنـة وأشهـراً قـدم بغـداد فـي سنـة ثلاث وستين وثلاثمائة وكان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثمائة فقيه وطبق الأرض بالأصحاب وله عدة مصنفات منها‏:‏ في المذهب التعليقة الكبرى وهو من إسفرائين وهي بلدة بخراسان بنواحي نيسابور على منتصـف الطريـق إِلـى جرجان‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وأربعمائة

فيها غزا يمين الدولة محمود الهند على عادته ووصل إِلـى قشميـر وقنـوج وبلـغ نهـر كنك وفتح عدة بلاد وغنم أموالاً وجواهر عظيمة وعاد إِلى غزنة مؤيداً منصوراً‏.‏

انقراض الخلافة الأموية من الأندلس وتفرق ممالك الأندلس وأخبار الدولة العلوية بها فـي هـذه السنـة خـرج بالأندلـس علـى المستعيـن باللـه سليمـان بـن الحكـم بـن سليمان بن عبد الرحمن الناصر الأموي شخص من القواد يقال له خيران العامري لأنه كان من أصحـاب المؤيـد فلمـا ملك سليمان الأموي قرطبة خرج عنه خيران المذكور وسار في جماعة كثيرة من العامريين وكان علي بن حمود العلوي مستولياً على سبتة وبينه وبين الأندلس عدوة المجاز وكان أخوه القاسم بن حمود مستولياً على الجزيرة الخضراء من الأندلس ولما رأى علي بن حمود العلوي خروج خيران على سليمان عبر من سبتة إِلى مالقة واجتمع إِليه خيران وغيره من الخارجين على سليمان الأموي وكان أمر هشام المؤيد الخليفة الأموي قد اختفى عليهم من حين استولى ابن عمه سليمان المذكور على قرطبة في سنة ثلاث وأربعمائة على ما قدمنا ذكره‏.‏

وأخرج المؤيد من القصر فلم يطلع للمؤيد على خبر فاجتمع خيران وغيره إِلى علي بن حمود العلوي بالمكتب وهي ما بين المرية ومالقة سنة ست وأربعمائة وبايعوا علي بن حمود العلوي على طاعة المؤيد الأموي إِن ظهر خبره وساروا إلى سليمان بقرطبة وجرى بينهم قتال شديد انهزم فيـه سليمـان الأمـوي وأخـذ أسيـراً وأحضر هو وأخوه وأبوهما الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر وكان الحكم أبو سليمان المذكور متخلياً عن الملك للعبادة وملك علي بن حمود العلوي قرطبـة ودخلهـا فـي هذه السنة أعني سنة سبع وأربعمائة وقصد القواد وعلي ابن حمود القصر طمعاً في أن يجدوا المؤيد فلم يقفوا له على خبر فقتل علي بن حمود العلوي سليمان وأباه وأخاه ولما قدم الحكم بن سليمان للقتل قال له علي ابن حمود‏:‏ يا شيخ قتلتم المؤيد فقال‏:‏ واللـه مـا قتلنـاه وإنـه حـي يـرزق فحينئـذ أسـرع علـي بـن حمود في قتله وأظهر علي بن حمود موت المؤيد ودعا الناس إلى نفسه فبايعوه وتلقب بالمتوكل على الله وقيـل الناصـر لديـن اللـه وهـو علـي بـن حمـود بـن أبـي العيـش ميمـون بـن أحمـد بـن علـي بـن عبـد اللـه بـن عمـر بـن إِدريـس بـن إدريـس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم‏.‏

ثـم إن خيـران خـرج عـن طاعتـه لأنه إِنما وافقه طمعاً في أن يجد المؤيد محبوساً في قصر قرطبة ليعيـده إِلى الخلافة فلما لم يجده سار خيران عن قرطبة يطلب أحداً من بني أمية ليقيمه في الخلافـة فبايـع شخصـاً مـن بنـي أميـة ولقبه المرتضى وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر الأموي وكان مستخفياً بمدينة جيان واجتمع إِلى عبد الرحمن المذكور أهل شاطبـة وبلنسيـة وطرطوشـة مخالفين على علي بن حمود العلوي فلم ينتظم لعبد الرحمن المذكور أمر وجمع علي بن حمود جموعه وقصد المسير إِليهم من قرطبة وبرز العساكر إِلى ظاهرها ودخـل علـي بـن حمـود الحمّام ليخرج منها ويسير بالعساكر فوثب عليه غلمانه وقتلوه في الحمّام‏.‏

وكان قتل علي بن حمود في أواخر ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة فلما علمت العساكر بقتله دخلوا البلد وكان عمره ثمانياً وأربعين سنة ومدة ولايته سنة وتسعة أشهر‏.‏

ثـم ولي بعده أخوه القاسم بن حمود وكان أكبر من أخيه علي بعشرين عاماً وقيل بعشرة أعوام ولقب القاسم بالمأمون وبقط القاسم بن حمود مالكاً لقرطبة وغيرها إلى سنة اثنتي عشـرة وأربعمائـة‏.‏

ثـم سـار القاسـم مـن قرطبـة إلـى إشبيليـة فخـرج عليـه ابـن أخيـه يحيـى بـن علـي بـن حمود بقرطبة ودعا الناس إلى نفسه وخلع عمه فأجابوه وذلك في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتي عشـرة وأربعمائـة‏.‏

وتلقب يحيى بالمعتلي وبقي بقرطبة حتى سار إِليه عمه القاسم من إِشبيلية فخـرج يحيـى بـن علـي بـن حمـود مـن قرطبـة إِلـى مالقة والجزيرة الخضراء فاستولى عليهما وذلك في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة في ذي القعدة ودخل القاسم بن حمود قرطبة في التاريخ المذكور وجرى بين أهل قرطبة وبين القاسم قتال شديد وأخرجوه عن قرطبة وبقي بينهم القتال نيفاً وخمسين يوماً ثم انتصر أهل قرطبة وانهزم القاسم بن حمود وتفرق عنه عسكره وسار إِلى شريـش فقصـده ابـن أخيه يحيى بن علي بن حمود وأمسك عمه القاسم بن حمود وحبسه حتى مات القاسم في الحبس بعد موت يحيى‏.‏

ولما جرى ذلك خرج أهل إِشبيلية عن طاعة القاسم وابن أخيه يحيى وقدموا عليهم قاضي إِشبيلية أبا القاسم محمد بن إِسماعيل بن عباد اللخمي وبقي إِليه أمر إشبيلية وكانت ولاية القاسـم بن حمود بقرطبة إِلى أن أمسك وحبس ثلاثة أعوام وشهوراً وبقي محبوساً إِلى أن مات سنة إِحدى وثلاثين وأربعمائة وقد أسنّ‏.‏

ثم أقام أهل قرطبة رجلاً من بني أمية اسمه عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر ولقب عبد الرحمن المذكور المستظهر بالله وهو أخو المهدي محمد بن هشـام وبويع في رمضان وقتلوه في ذي القعدة كل ذلك في سنة أربع عشرة وأربعمائة ولمـا قتـل المستظهـر بويـع بالخلافـة محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر ولقب محمد المذكور المستكفي ثم خلع المستكفي المذكور بعد سنة وأربعة أشهر فهرب وسم في الطريق فمات‏.‏

ثم اجتمع أهل قرطبة على طاعة يحيى بن علي بن حمود العلـوي وكـان بمالقـة يخطـب لـه بالخلافـة ثـم خرجـوا عـن طاعتـه فـي سنـة ثمانـي عشرة وأربعمائة وبقي يحيى كذلك مدة ثم سار من مالقة إِلى قرمونة‏.‏

وأقام بها محاصراً لإشبيلية وخرجت للقاضي أبا القاسم بن عباد خيل وكمن بعضهم فركب يحيى لقتالهم فقتل في المعركة وكان قتل يحيى المذكور في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة‏.‏

ولما خلع أهل قرطبة طاعة يحيى كما ذكرنا بايعوا لهشام بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر الأموي ولقبوه بالمعتد بالله وكان ذلك في سنة ثماني عشرة وأربعمائة حسبما ذكرنا وجرى في أيامه فتن وخلافات من أهل الأندلس يطول شرحها حتى خلع هشام المذكور سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وسار هشام مخلوعاً إِلى سليمان بن هود الجذامي فأقام عنده إِلى أن مات هشام سنة ثمان وعشرين وأربعمائة‏.‏

ثم أقام أهل قرطبة بعد هشام شخصاً من ولد عبد الرحمن الناصر أيضاً واسمه أمية ولما أرادوا ولايـة أميـة قالـوا لـه‏:‏ نخشـى عليـك أن تقتـل فـإن السعـاد قـد ولت عنكم يا بني أمية‏.‏

فقال‏:‏ بايعوني اليوم واقتلوني غداً فلم ينتظم له أمر واختفى فلم يظهر له خبر بعد ذلك‏.‏

ثم إِن الأندلس اقتسمها أصحاب الأطراف والرؤساء وصاروا مثل ملوك الطوائف وأما قرطبة فاستولى عليها أبو الحسن بن جهور وكان من وزراء الدولة العامرية وبقي كذلك إِلى أن مات سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقام بأمر قرطبة بعده ابنه أبو الوليد محمد بن جهور‏.‏

وأما إِشبيلية فاستولى عليها قاضيها أبو القاسم محمد بن إِسماعيل بن عباد اللخمي وهو من ولد النعمان بن المنذر ولما انقسمت مملكة الأندلس شاع أن المؤيد هشام بن الحكم الذي اختفى خبـره قـد ظهـر وسـار إِلـى قلعة رباح وأطاعه أهلها فاستدعاه ابن عباد إِلى إِشبيلية فسار إليه وقام بنصره وكتب بظهوره إِلى ممالك الأندلس فأجاب أكثرهم وخطبوا له وجددت بيعته في المحرم سنة تسع وعشرين وأربعمائة وبقي المؤيد حتى ولي المعتضد بـن عبـاد فأظهـر مـوت المؤيد والصحيح أن المؤيد لم يظهر خبر مذ عدم من قرطبة في سنة ثلاث وأربعمائة على ما قدمنا ذكره وإما كان إِظهار المؤيد من تمويهات ابن عباد وحيله ومكره‏.‏

وأما بطليوس فقام بها سابور الفتى العامري وتلقب سابور المذكور بالمنصور ثم انتقلت من بعده إِلى أبي بكر محمد بن عبد الله بن مسلمة المعروف بابن الأفطس وتلقب محمد المذكور بالمظفر وأصل ابن الأفطس المذكور من بربر مكناسة لكن ولده أبوه بالأندلس‏.‏

فلما توفـي محمد المذكور صار ملك بطليموس بعده لولده عمر بن محمد وتلقـب بالمتوكـل واتسـع ملكـه وقتل صبراً مع ولديه عند تغلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين على الأندلس وكان اسم ولديه اللذين قتلا معه الفضل والعباس‏.‏

وأما طليطلة فقام بأمرها ابن يعيش ثم صارت إِلى إِسماعيل بن عبد الرحمن بن عامر بن ذي النون وتلقب بالظافر بحول الله وأصله من البربر ثم ملك بعده ولده يحيي بـن إِسماعيـل ثـم أخـذت الفرنـج منـه طليطلـة فـي سنـة سبـع وسبعيـن وأربعمائـة وصـار هـو ببلنسيـة وأقـام هو بها إلى أن قتله القاضي ابن جحاف الأحنف‏.‏

وأما سرقسطة والثغر الأعلى فصارت في يد منذر بن يحيى ثم صارت سرقسطة وما معها بعده لولده يحيى بن منذر بن يحيى ثم صارت لسليمان بن أحمد بن محمد بن هود الجذامي وتلقـب بالمستعيـن باللـه ثـم صـارت بعده لولده أحمد بن سليمان بن محمد بن أحمد ثم ولى بعده ابنـه عبـد الملـك بـن أحمـد ثـم ولـي بعده ابنه أحمد بن عبد الملك وتلقب بالمستنصر بالله‏.‏

وعليه انقرضت دولتهم على رأس الخمسمائة فصارت بلادهم جميعها للملثمين‏.‏

وأمـا طرطوشـة فوليها لبيب بن الفتى العامري‏.‏

وأما بلنيسة فكان بها المنصور أبو الحسن عبد العزيـز المغافـري ثـم انضاف إِليه المرية ثم ملك بعده ابنه محمد بن عبد العزيز ثم غدر به صهره المأمون بن ذي النون وأخذ الملك من محمد بن عبد العزيز في سنة سبع وخمسين وأربعمائة‏.‏

وأما السهلة فملكها عبود بن رزين وأصله بربري‏.‏

وأما دانية والجزائر فكانت بيد الموفق بن أبي الحسين مجاهد العامري‏.‏

وأما مرسية فوليها بنو طاهر واستقامت لأبي عبد الرحمن منهم وأما المرية فملكها خيران العامري ثم ملك المرية بعده زهير العامري واتسع ملكه إِلى شاطبة ثم قتل وصارت مملكته إِلى المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن المنصور بن أبي عامر ثم انتقلت حتى صارت للملثمين‏.‏

وأمـا مالقـة فملكهـا بنـو علـي بـن حمود العلوي فلم تزل في مملكة العلويين يخطب لهم فيها بالخلافة إِلى أن أخذها منهم باديس ابن حبوس صاحب غرناطة‏.‏

وأما غرناطة فملكها حبوس بن ماكس الصنهاجي فهذه صورة تفرق ممالك الأندلس بعد ما كانت مجتمعة لخلفاء بني أمية وقد نظم أبو طالب عبد الجبار المعروف بالمثنى الأندلسي من أهل جزيرة شقراء أرجوزة تحتوي على فنون من العلوم وذكر فيها شيئاً من التاريخ يشتمل على تفرق ممالك الأندلس فمن ذلك قوله‏:‏ لما رأى أعلامُ أهل قُرطبة أن الأمور عندهم مضطربَه وعدمـت شاكلة للطاعة استعلمت آراءها الجماعة فقدمـوا الشيـخَ مـن آل جهور المكتنى بالحزم والتدبـرِ ثـم ابنـه أبـا الوليـد بعـده وكانْ يحدوا في السداد قصده فجاهرت لجورها الجهاوره وكل قطر حل فيه فاقره وابـن يعيـش ثـار فـي طليطله ثم ابن ذي النون تصفى الملك له وفـي بطليموس انتزا سابور وبعـده ابـن الأفَطـس المنصور وثـار في إِشبيلية بنو عباد والكـذب والفتـونُ فـي ازديـاد وثار في غرناطة حبـوس ثم ابنه من بعده باديـس وآل معـن ملكـوا المريه بسيـرة محمـودة مُرْضيـه وثار فـي شـرق البلـاد الفتيـان العامريون ومنهم خيران ثـم زهيرٌ والفتى لبيبُ ومنهـم مجاهـد اللبيب سلطانـه رسـى بمرسـى دانيه ثم غزا حتى إلى سردانيه ثم أقامت هذه الصقالبـه لابـن أبـي عامر هم بشاطبه وحـل مـا ملكهـم بلنسيه وثار آل طاهر بمرسيـه وبلد البيت لآل قاسم وهو حتى الآن فيه حاكم وابن رزين جـاره فـي السهلـة أمهل أيضاً ثم كـل المهلـه في هذه السنة أعني سنة سبع وأربعمائة قتلت الشيعة بإفريقية وتتبع من بقي منهم فقتلوا وكـان سببه أن المعز بن باديس ركب في القيروان فاجتاز بجماعة فسأل عنهم فقيل له‏:‏ هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر وعمر فقال المعز رضي الله عن أبي بكر وعمر فثارت بهم الناس وأقاموا الفتنة وقتلوهم طمعاً في النهب‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وأربعمائة

في هذه السنة مات قراخان ملك تركستان وقيل إِن وفاته كانت في سنة ست وأربعمائة ومدينة تركستان كاشغر ولما كان قرا خـان مريضـاً سـارت جيـوش الصيـن مـن الترك والخطابية إِلى بلاده فدعا قرا خان الله تعالى في أن يعافيه ليقاتلهم ثم يفعل به ما شاء فتعافى وجمع العساكر وسار إِليهم وهم زهاء ثلاثمائة ألف خركاة فكبسهم وقتـل منهم زيادة على مائتي ألف رجل وأسر نحو مائة ألف وغنم ما لا يحصى وعاد إِلى بلا ساغون فمات بها عقيب وصوله وكان عادلاً ديناً وما أشبه قصته هذه بقصة سعد بن معاذ الأنصـاري رضـي اللـه عنه في غزوة الخندق لما جرح في وقعة خندق وسأل الله أن يحييه إِلى أن يشاهـد غـزوة بنـي قريظـة فاندمـل جرحه حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل بني قريظة وسبيهم فانتقض جرح سعد ومات رضي الله عنه ولما مات قرا خان واسمه أبو نصر أحمد بن طغان خان علي ملك أخوه أبو المظفر أرسلان خان‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي جمـادى الأولـى توفـي مهـذب الدولـة أبـو الحسـن بـن علي ابن نصر ومولده سنة خمس وثلاثمائة وهو الـذي هـرب إليـه القـادر باللـه وسبـب موتـه أنـه افتصـد فـورم ساعـده واشتد بسبب ذلك به المرض فلما أشرف على الموت وثب ابن أخت مهذب الدولة وهو أبو محمد عبد الله بن يمني فقبض على ابن مهذب الدولة واسمه أحمد فدخلت أمه على مهذب الدولة قبل موته فأعلمته بما جرى على ابنه فقال لها مهذب الدولة أي شيء أقدر أن أعمل وأنا على هذا الحال‏.‏

ومات من الغد ووليٍّ الأمر أبو محمد ابن أخت مهذب الدولة المذكور وضرب ابن مهذب الدولة ضرباً شديداً فمات أحمد بن مهذب الدولة من ذلك الضرب بعد ثلاثة أيام من موت أبيه ثم حصل لأبي محمد ذبحة فمات منها فكان مدة ملكه دون ثلاثة أشهر‏.‏

فولي البطيحة بعده الحسين بن بكر الشرابي وكان من خواص مهذب الدولة ثم قبض عليه سلطان الدولة في سنة ست عشرة وأربعمائة وأرسل سلطان الدولة صدقة بن فارس المازديادي فملك البطيحة‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفـي هـذه السنـة مـات علـي بـن مزيد الأسدي وصار الأمير بعده ابنه دبيس بن علي بن مزيد‏.‏

وفـي هـذه السنـة ضعـف أمـر الديلـم ببغـداد وطمعت فيهم العامة وكثرت العيارون والمفسدون في بغداد ونهبوا الأموال‏.‏

وفيها قدم سلطان الدولة إِلى بغداد وضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس وكان جده عضد الدولة يفعل ذلك في أوقات ثلاث صلوات‏.‏